الجمعة، 9 سبتمبر 2016

نبذه عن العلامة محمدمحمد المنصوررحمه الله

نسبه:
هو العلامة المجتهد الحُجة محمد بن محمد بن اسماعيل بن عبدالرحمن المنصور, من ذرية العلامة يحيى بن الحسين بن الأمام المنصور بالله القاسم بن محمد.
مولده ونشأته:
ولد الوالد العلامة محمد بن محمد المنصور بشهارة 8 جمادى الآخر سنة 1333هـ الموافق 23/4/1915.
ونشأ بها, ثم هاجر به والده الى صنعاء ,فبدأ القراءة عند الخواجة محمد علي عمر في مِعْلامة مسجد التوفيق شمال غرب بير العَزَب,ثم اخذ على كثير من علماء صنعاء ,وذمار, والذاري, والمدرسة العلمية بصنعاء وغيرها بهمة عالية , وفهم وقاد ,فقد حصل الكثير من الكتب بخطه ,حتى برع في جميع الفنون ,فهو علامة مجتهد مطلق, زاهد, اديب, شاعر, سياسي محنك, لا يفارق الذكر لسانه ,وقد اثنى عليه كثير من العلماء في اجازاتهم له وغيرها ,فهو فريد عصره ,وهو المرجع الاعلى في صنعاء ,قال في نزهة النظر[ص580]وصاحب الترجمة كريم الخلق لطيف الشمائل حسنة من حسنات الايام.
ومن قوله شعراً في نشأته:
شروق حياتي من شهارة بصنعاء وبعض في ذمار لنا كانا
والضـــــــــــــــــــــــحى
وفيها وفي صنعاء بدأت دراستي واكملتها والحمـــــد لله مولانـــــــا
فدونك اوطانا تخطى محاولا لخطي وعن حظي المبـــــــــــارك
اوطانـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا

مشائخه:
والده العلامة محمد بن اسماعيل المنصور. ت:1363هـ/الموافق 1934م.
عمه العلامة مطهر بن اسماعيل المنصور ,تلميذي القاضي عبدالله بن محمد المجاهد (الشماحي)الذماري, المتوفي في شهارة.
القاضي اسماعيل بن محمد بن يحيى العنسي. ت:1392هـ/الموافق1972م,درس عليه بهجرة الذاري القرآن تجويداً وشطرا من شرح الأزهار , وبقية متن الازهار مفهوماً ومنطوقاً الى قرب آخره, والفاكهي والقواعد في النحو كاملة قراءة تحقيق وغيب للفظ والمعنى ,وشطراً من الإيساغوجي في المنطق ,ومن تأريخ ابن الأثير الخاص بالسيرة النبوية, وغير ذلك.
القاضي علي بن محمد الاكوع درس عليه بمسجد الجيلاني بذمار: البحرق شرح الملحة وشطرا من الازهار غيبا ومفهومه ومنطوقه .
القاضي صالح بن محمد الحودي . ت:1362هـ/1943م,كان إمام القراءة في عصره بلا منازع ,درس عليه في المدرسة الشمسية القرآن بقراءة قالون عن نافع وتجويده,والثلاثين المسألة للسحولي قراءة تحقيق وتدقيق.
السيد اسماعيل بن علي السوسوة . ت:1381هـ/1961م,درس عليه بمسجد الإمام المطهر بذمار شطرا من شرح الازهار ,والفرائض ,والقطر , والفاكهي.
السيد عبدالله بن محمد السوسوة ,درس عليه كافل لقمان في اصول الفقه ,والفاكهي على ملحة الاعراب وغيرها بالمدرسة الشمسية بذمار .
القاضي يحيى بن محمد بن عبدالله الأرياني . ت:1362هـ/1943م,درس عليه بصنعاء الكشاف كاملاً إلا سورة يوسف وابراهيم والثمن الأول من الحِجْر ,وشطرا من شرح الغاية في اصول الفقه ,وسبل السلام ونيل الأوطار, والروض النظير شرح مجموع الإمام زيد ,وشطراً من البحر الزخار, واكثر الجزء الأول من شرح الأزهار بمسجد الفليحي, وشطراً من الكشاف بقبة طلحة.
القاضي عبدالله بن عبدالكريم الجرافي. ت1397هـ /1977م,درس عليه أمالي المؤيد بالله ,ودرر الأسانيد للهادي وشطرا من أمالي ابي طالب ,ونحو النصف من أمالي احمد بن عيسى فأكثر, والذِّكر لمحمد بن منصور المرادي ,وشطراً من أمالي ابي طالب ,وسنن النسائي كاملة ,وبقية الصحاح الست وغيرها من الكتب الصغيرة والرسائل, وبعضاً من المطولة من كتب اهل البيت في الحديث, وكتب اهل السنة, ومن ذلك البهجة للعاملي كاملة. وله منه إجازة.
القاضي محمد بن صالح بن شمس الدين البهلولي, قرأ عليه شرح التلخيص بحاشية الدسوقي في علم البلاغة, وشرح الكافل للطبري, وكافل لقمان في اصول الفقه كاملات وغيرها.
السيد العلامة المفتي احمد بن محمد زبارة. ت:1421هـ/2000م, ودرس عليه شرح الكافية في النحو للخبيصي, واكثر احكام الإمام الهادي,وفي السنة, والتفسير وغيرها كثير, وتفسير ابن الدبيع. وله منه إجازة.
القاضي حسن بن علي بن حسين المغربي,درس عليه صحيح مسلم كاملاً,والبخاري إلا قليلاً من آخره, وسنن الترمذي كاملة, واكثر موطأ مالك, ومجموع الأمام زيد بن علي, واصول الاحكام للإمام احمد بن سليمان وغير ذلك, وله منه إجازة.
القاضي عبدالله بن علي اليماني . ت:1392هـ/1972م, وله منه إجازة.
السيد العلامة علي بن محمد بن احمد ابراهيم, قرأ عليه كثيراً وله منه إجازة.
القاضي احمد بن احمد الجرافي.ت:1405هـ/1985م, وله منه إجازة.
القاضي محمد بن احمد الجرافي.(رئيس دار الإفتاء حالياً) وله منه إجازة.
الإمام الناصر لدين الله احمد بن الإمام يحيى حميد الدين (إمام اليمن بعد ابيه الإمام يحيى ).ت:1382هـ/1962م, وأمر بتحرير إجازة له.
العلامة احمد بن علي عبدالرحمن الكحلاني,رئيس العلماء في وقته.ت:1386هـ/1966م, درس عليه الجزء الأول من شرح التجريد, والشفاء للأمير الحسين, وشرح الغاية, وكثيراً في البحر الزخار وغيرها بجامع صنعاء والمدرسة العلمية, وجامع الوشلي.
القاضي عبدالوهاب بن محمد بن احمد الشماحي. المتوفي بظفير حجة سنة 1357هـ/1938م, شيخ الاسلام في زمنه.
خال المترجَم له محمد بن محمد بن علي المنصور, تلميذ القاضي عبدالرحمن بن محمد المحبشي الشهاري, والقاضي عبدالوهاب بجامع شهارة.
السيد احمد بن عبدالله الكبسي العلامة الأواه.ت:1366هـ/1947م,درس عليه في الروض النضير,وقرأ عليه كثيراً في كتب السنة.
القاضي عبدالله بن محمد بن محسن السرحي. ت:1409هـ/1989م,درس عليه في شرح الغاية, والكشاف وغيرها كثيراً.
القاضي العلامة حسين بن محمد بن محسن حنش,قرأ عليه بخَمِر:الكشاف.
القاضي شرف حنش, قرأ عليه في الشرح والفرائض.
منصب المراوعة (عميد الأشراف)وحاكمها.ت:1352هـ/1933م, وله منه إجازة.
السيد احمد البحر منصب ورئيس مناصبها ومناصب بيت الفقيه.
السيد محمد الهدِّار منصب البيضاء,ت:1418هـ/1997م.
السيد العلامة علي بن احمد السُّدمي.
ودرس في مجلس الأمير علي بن عبدالله الوزير بدار النصر بتعز, شطراً كبيراً من صحيح مسلم.
القاضي علي بن محمد فضة.ت:1395هـ/1975م, درس عليه في الكشاف وغيره, في مدينة رَيْدَة (شرق مدينة عمران).
الشيخ محمد سالم البيحاني.ت:1391هـ/1971م,أملى عليه كثيراً بصنعاء,وفي الطائرة من صنعاء الى جدة, وله منه إجازة.
القاضي محمد بن عبدالله الجنداري, بمسجد الفليحي بصنعاء, قرأ عليه في اصول الدين كثيراً.
العلامة احمد بن يحيى المَسْوَري.ت:1368هـ/1949م, قرأ عليه بالجامع الكبير, ومسجد العلمي بصنعاء.
وظائفه وموقعه في المجتمع:
تولى عدة وظائف رسمية كان فيها مثالاً للنزاهة والإخلاص منها: إعانة والده على اعمال قضاء بيت الفقيه, وعين ضمن كتّاب وحكّام ولي العهد بتعز سنة 1364هـ/1945م,ومساعداً لوزير الخارجية القاضي محمد راغب, ثم ناضراً للوصايا والأوقاف وما زال, ووزيراً من وزراء الأتحاد بين مصر واليمن, ورئيساً لهم او نائب للرئيس حتى الغي الإتحاد, ونائب للإمام في مصر آخر ايام الأتحاد.
وبعد قيام الثورة عضواً في مجلس السيادة, ووزيراً للعدل من سنة1384هـ/1964م, الى سنة1387هـ/1967م, ثم وزيراً للأوقاف, وعضواً في المجلس التأسيسي (مجلس الشعب), وفي لجنة تقنين الشريعة الاسلامية, وبعد قيام الوحدة أسهم في تأسيس حزب الحق الإسلامي في اليمن.
والآن يشغل منصب نائب رئيس هيئة الإفتاء بالجمهورية اليمنية, وناظراً للوصايا, ورئيس الهيئة الإستشارية بجمعية بدر الخيرية.
كريم النفس محبوب لدى الجميع كبير الموقع في صنعاء, يحترمه مختلف الطبقات, يتحلى بالأرْيَحِيَّة مع المحافظة على الوقار والإتزان.
والخلاصة: أنه جمع الصفات الفاضلة والأخلاق الحميدة.
نشاطه العلمي:
واصل مشواره في الدرس والتدريس والإفتاء والتأليف, فقد درس عليه الكثير من الطلاب في الجامع الكبير ومسجد الفليحي ومسجد النهرين وفي مركز بدر العلمي والثقافي والذي يرأس المجلس الأعلى به, وكما يقيم دروساً في منزله.
وقد جمع العديد من الكتب المخطوطة والمطبوعة فكوّن مكتبة تحتوي على الكثير من الكتب, وتعد من اكبر المكتبات الخاصة في اليمن, وقد سخرها في خدمة العلم وأهله.
شعره:
له شعر جيد يدل على أدبه وعلو مكانه, ويغلب على شعره الزهديات,شأإنه شأن العالم المجاهد التقي الورع وكأن لسان حاله يقول ما قال الشافعي رحمه الله:
ولولا الشعر بالعلماءِ يزري لكنتُ اليوم أشعر من لبيدِ
وله ديوان مطبوع ومن شعره قصيدة طويلة دوّن فيها حياته مطلعها:
شروق حياتي من شهارة بصنعا([1])وبعض في ذمار لنا
والضـــــــــــــــــــــــحى كانـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا
وفيها وفي صنعا بدأت دراستي واكملتُها والحمد لله مولانـــــــــا
وقد ختمها بقوله:
فما زال نور الله للهِ حــــــــــجَّة إذا نصب الديان للناس ميزاناً
ونحن على المُثلَى نسيرُ ظهيرُنا محمدُ والقرآن والله مولانـــــــا
ويقول في قصيدة اخرى كلها حكم ووعظ أجراها على لسان الدهر كتبها ليلة الأحد بعمّان 25/6/1413هـ, وأولها:
يقولُ الدهرُ: أرْغمْتُ البرايا فسِرتُ بهم الى بحر المنايا
حتى ختمها بالقول داعياً:
إلهي كم غفلنا رَبَ سَـــلم وَوَفقْ واعفْ عن كل الخطايا
وعَنْ غفلاتِنا وكُفورنا ما به أنْعَمتَ من عِظمِ العَطايَــــــا
مؤلفاته:
قدسية الإيمان وهو قصيدة نافعة من نظمه.
برق يمان وهو شرح صغير على قدسية الإيمان.
القضاء والقدر.طبع بمركز بدر.
تعليقات على أمالي ابي طالب.
حكمة الحجاب. أعيد طبعه بمركز بدر.
الكلمة الشافية في حكم ما كان بين علي ومعاوية.
مقتطفات من التفسير.
وله الكثير من الرسائل والفتاوى الهامة والقصائد الرائعة.

بلاقية علي عبدالله صالح في وفاة محمدالمنصور


الرئيس الصالح يعزي في وفاة العلامة المجتهد محمد بن محمد المنصور
الأخ/ عبدالوهاب محمد بن محمد المنصور.. وإخوانه
وكافـــة آل المنصور الكــرام
لقد كان لنبأ وفاة والدكم العلامة المجتهد محمد بن محمد المنصور أكبر الأثر في نفوسنا.. كون الوطن خسر برحيله أحد علمائه الأفذاذ ومجتهداً كبيراً في مجال الفقه والحديث والعلوم الشرعية، وقاضياً محنّكاً أسهم بفاعلية كبيرة في إرساء قواعد العدالة في أوساط المجتمع، إلى جانب كونه أحد الرواد الذين قارعوا بعلمه وفكره واستنارته الظلم الإمامي الرجعي، وشارك مع زملائه العلماء الأحرار والفقهاء المستنيرين في التعبير عن تطلعات الشعب وقواه المستنيرة في التغيير والتجديد والتحرّر من الإستبداد والظلم.
لقد كان رحمه الله ذا رأي شجاع ومواقف مبدئية ثابته، وأسهم من خلال اختياره عضواً في مجلس السيادة لحكومة الثورة اليمنية الخالدة في أيامها الأولى بدور كبير في ترسيخ النظام الجمهوري.. وفي تنمية وعي وإدراك اليمنيين بأهمية الثورة في حياتهم وعظمة قيمها ومبادئها وأهدافها التي ناضل من موقعه من أجل الإنتصار لها وتجسيدها في الواقع المعاش.. وصولاً إلى ترسيخ مبدأ حكم الشعب نفسه بنفسه قولاً وعملاً.. إفعالاً لمبدأ الشورى في الحكم، وواصل مسيرته العلمية والإجتهادية من خلال اهتمامه بالعلم وتطبيق العدل في أوساط المجتمع أثناء تبوءه لمنصب وزير العدل في حكومة الثورة أكثر من مرّة وكذا في منصب وزير الأوقاف، ومن ثم تفرغه لتدريس العلم والفقه وأصول الحديث للطلاب الذين توافدوا من كل أنحاء اليمن ليستفيدوا من علومه ومعارفه الجمّة المتحرّرة من كل قيود ونزعات التعصّب والتطرُّف والغلو، إمتثالاً لتعاليم ديننا الإسلامي الحنيف المؤكدة على قيم التسامح والتعايش والإخاء والمحبة والإعتدال والوسطية، ونبذ العنف والتطرُّف والإرهاب.
إن رحيل العلامة المجتهد فضيلة القاضي والفقيه محمد محمد المنصور رحمه الله سيترك فراغاً كبيراً لا يعوّض، فقد كان رمزاً للنزاهة والإستقامة والإخلاص وحب الناس ورجلاً ناصحاً أميناً لم يبخل بأي رأي أو تقديم أي مشوره.
ولقد كان صادقاً مع الوطن.. وصادقاً في مشوراته التي كان يقدمها لي كما قدمها لكل رؤساء اليمن بكل حرص وصدق وأمانه وتجرّد.
لاشك أن مصابكم يا آل المنصور بفقدانه ورحيله عن هذه الدنيا الفانية جسيم وعظيم، وهو في نفس الوقت مصاب شعبنا ووطنا، ولنا أيضاً خاصة وأن علاقتي به كانت حميمة يسودها المحبة والإحترام وتغليب المصلحة العامة على كل ماعداها، وكان منصفاً ومتورعاً في كل مواقفه وآرائه ونصائحه ومشورته، يهدف من خلالها إحقاق الحق، ورفع الظلم، وتجسيد قيم العدالة.
وإننا إذ نشاطركم جميعاً أحزانكم وآلامكم في هذا المصاب الجلل، نبعث إليكم بصادق التعازي وخالص المواساة باسمي شخصياً.. وباسم قيادات وأعضاء وحلفاء وأنصار المؤتمر الشعبي العام، مبتهلين إلى المولى -جلّت قدرته- أن ينزل عليه شآبيب رحمته ومغفرته ورضوانه.. وأن يسكنه فسيح جنانه.. وأن يجزيه خير الجزاء عن دينه ووطنه وشعبه وعن طلابه وتلاميذه الذين يواصلون اليوم نهجه ومسيرته العلمية والفقهيه بكل إقتدار والذين نهلوا من علمه ومعارفه ما أفادهم وأفاد الوطن، كما نسأل الله تعالى أن يعصم قلوبكم بالصبر والسلوان وأن لا يريكم أي مكروه في عزيز لديكم بعده.
إنا لله وإنا إليه راجعون.
أخوكم/
علــــــي عبــــــدالله صـالـــــح
رئيـس الجمهوريــة السابـــق
رئيـس المؤتمر الشعبي العام

الثلاثاء، 6 سبتمبر 2016

مبادرة كيري

د. أحمد يوسف أحمد
   
تاريخ: 2016-09-06
تلكأتُ في الكتابة عن المبادرة التى أعلنها وزير الخارجية الأميركي بشأن تسوية الصراع اليمني بعد اجتماع جدة لغموض هذه المبادرة على الأقل بالنسبة إلى الرأي العام خصوصاً أن هذا الغموض قد دفع إلى اجتهادات زادت الأمور إرباكاً كما حدث في تسريبات الإذاعة البريطانية التي اعتبرتها سبقاً إعلامياً ثم نُفيت يمنياً وأميركياً واعتذرت عنها بريطانيا نفسها رسمياً، ومرت الأيام دون أن ينجلي الغموض، ومن ثم وجبت مناقشة المبادرة من خلال ما هو مؤكد عن خطوطها العامة والمناخ السياسي الذي أُطلقت فيه وردود أفعالها.. وثمة أربع ملاحظات أساسية في هذا الصدد:
تثور الملاحظة الأولى عن علاقة المبادرة بقرار مجلس الأمن 2216، الذي يُعتبر مع المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار اليمني هو الأساس المتعارف عليه لحل الصراع الحالي في اليمن، وللأمانة فليست هناك علاقة بين هذا القرار والمبادرة، فالأول قاطع في إدانة «الحوثيين» وفرض العقوبات عليهم ومنع توريد السلاح لهم وسحب قواتهم وتسليم أسلحتهم دون إشارة من قريب أو بعيد لحكومة وحدة وطنية وعندما تحدث القرار عن ترتيبات سياسية، فإنه أشار إلى صياغة دستور جديد يُستفتى عليه، وإصلاح النظام الانتخابي، وتنظيم انتخابات عامة في موعد قريب. أما مبادرة كيري فهي تخلق شراكة بين الانقلابيين والشرعية كأنها تكافئهم، وصحيح أن ثمة نصاً عاماً حول تسليم السلاح، وسحب القوات من صنعاء ومدن أخرى، ولكن هذا ينقلنا إلى الملاحظة الثانية.
يُلاحظ ثانياً أن الغموض يمتد إلى آلية التنفيذ بمعنى أيُّ العنصرين -أي تشكيل حكومة الوحدة الوطنية من ناحية وانسحاب «الحوثيين» وصالح وتسليم أسلحتهم من ناحية أخرى- يسبق الآخر؟ يقول «الحوثيون» إن الحكومة تأتي أولاً، وهذا يعني أنهم سيكونون أصحاب قرار في شروط الانسحاب وتسليم السلاح، وممثلوهم يقولون في المنابر الإعلامية إن تسليم السلاح يجب أن يكون من الطرفين وهو ما يعنى للمرة الثانية المساواة بين الشرعية ومن انقلب عليها، وينتصر المبعوث الأممى بالمناسبة للشرعية بمعنى أن انسحاب القوات وتسليم السلاح يأتي أولاً وبعدها يأتي تشكيل الحكومة، ويقول البعض كيف تتوقعون أن يقبل الانقلابيون هذا وهم لم يُهزموا بعد في ميدان القتال؟ وهي مقولة منطقية يجب أن يرد عليها أنصار الشرعية وحلفاؤهم وقد أفادت تصريحاتهم بقرب الإطباق على صنعاء.
أما الملاحظة الثالثة فتتعلق بافتراض أن هذه الحكومة قد تشكلت، وفي هذه الحالة لا يوجد أدنى ضمان لعدم تكرار التجربة اللبنانية بما انطوت عليه من بنية معروفة للحكومات أدت إلى عجز مزمن لها من خلال آليات كالثلث المعرقل وهي آليات تفرحنا لأننا نتخيل أن التحدي في تشكيل الحكومة بينما التحدي الحقيقى يتمثل في أن تعمل وتواجه التحديات، وتنجز وليس مجرد أن تبقى أسماءً على الورق، وهنا يجب أن لا ننسى أن المكون «الحوثي» في السياسة اليمنية هو مكون مماثل لـ«حزب الله» في السياسة اللبنانية، فكلاهما منتمٍ إلى إيران معتزٌّ بهذا الانتماء، ويعني ما سبق أن الحكومة حتى إذا شُكلت سوف تكون بداية لمشاكل جديدة وليست نهاية للصراع. ويؤكد هذا رد الفعل «الحوثي» لإطلاق المبادرة، فهم يحاولون أن يُظهروا أنهم غير متلهفين على المبادرة، وهم بانتظار توضيحات ويضعون شروطاً مثل أن يكون الانسحاب وتسليم الأسلحة متبادلاً أو المطالبة بأن يكون اتفاق السلم والشراكة الوطنية، الذى وقع تحت وطأة الانقلاب واحداً من مرجعيات التسوية.
وتشير الملاحظة الرابعة إلى صاحب المبادرة، أي الإدارة الأميركية، ولنا عليها عدد من الملاحظات أولاها أنها تأتي في سياق نختلف معها فيه جذرياً في ما يتعلق بالخطر الإيراني، فالسوابق القريبة كلها تفيد بأنها تقلل كثيراً من شأن هذا الخطر وقد لا تراه أصلاً، ولا نريد أن نعيد الجدل حول الاتفاق النووي مع إيران ودلالاته غير أنه يتعين علينا أن نُذكر بعقيدة أوباما ونصائحه المسمومة لنا بالتعايش مع إيران وهو هدف نبيل نسعى إليه بكل السبل، ولكن أوباما يبدو بنصيحته هذه غير واعٍ بخطورة المشروع الإيراني- على الأقل علينا ولهذا فليدَعنا وشأننا في علاقتنا بها نحددها وفق مصالحنا وليس حسب نصائحه. ومن ناحية أخرى فإن توقيت إطلاق المبادرة لا بد أن يأخذ حظه من اهتمامنا، فهي تسبق نهاية ولاية أوباما بأربعة أشهر، وهو ما يدل على عدم إدراكه درجة تعقّد الصراع في اليمن. ويقول مراقبون إن أوباما يريد أن يكتب شيئاً على صفحته قبل أن يغادر موقعه، ويبدو أن هذه قد أصبحت عادة عند الرؤساء الأميركيين، ونذكّر بأوهام جورج بوش الابن عنما تخيل أن مؤتمر «أنابوليس» الذي عقده خريف 2007 قادر على تسوية الصراع العربي - الإسرائيلي الذي تجاوز عمره القرن في سنة كانت هي كل ما تبقى لبوش في السلطة. يتحمس كل عربي مخلص لإنهاء الصراع في اليمن، لكن هذا لا يعني تجاهل الحقائق والمصالح الحقيقية فيه. وفي إطار الظروف الراهنة يبدو للأسف أن الحل السياسي في اليمن ما زال يرهف السمع لأصوات السلا

ماذا بعد الانقلاب التركي

خورشيد دلي
كاتب وباحث متخصص في الشؤون التركية والكردية
   
تاريخ: 2016-07-16
أظهرت تركيا، حكومة ومعارضة، صلابة بارزة في مواجهة الانقلاب العسكري الذي قاده بعض القادة العسكريين من الدرجة الثانية، وهو انقلاب أعاد إلى الأذهان سلسلة الانقلابات العسكرية التي شهدتها تركيا خلال النصف الثاني من القرن الماضي، والتي كانت أبرزها: الانقلاب الذي قاده الجنرال جمال جورسيل في عام 1960 وانتهى بإعدام رئيس الوزراء حينها عدنان مندريس، ثم الانقلاب الذي قاده مجموعة من الضباط في عام 1971 ضد رئيس الوزراء حينها سليمان ديميريل، وبعدها الانقلاب الذي قاده الجنرال كنعان ايفرين في عام 1980 ضد الرئيس فخري كورتورك، وصولاً إلى "الانقلاب الأبيض" الذي قام به الجيش في عام 1997 ضد حكومة رئيس الوزراء نجم الدين أربكان.
في جميع هذه الانقلابات، كانت ثمة قاعدة تحكم المعادلة، وهي (الجيش يحمي الدستور، والدستور يحمي الجيش)، فالدساتير السابقة كانت تنص على مجموعة من المواد التي تجيز للجيش التدخل في الحياة السياسية عندما كان يرى أن ثمة خطراً يهدد المبادئ العلمانية التي أسست عليها الجمهورية التركية. فيما كانت هذه البنود نفسها تحمي الجيش من المحاكمة لاحقاً. وعليه وفقاً لهذه المعادلة، لم يكن الجيش الذي يعد من أهم وأقدم المؤسسات الوطنية التركية يجد حرجاً في التحرك في الوقت الذي كان يراه مناسباً، إلى أن جاء حزب العدلة والتنمية إلى الحكم في عام 2002 وغيَّر من المعادلة السابقة، بحيث بات الدستور بيد رجب طيب أردوغان في مواجهة الجيش، بعد أن قام أردوغان، خلال سنوات رئاسته للحكومة التركية، بسلسلة إصلاحات انتهت بإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية وإخراجها من الحياة السياسية في البلاد.
أسباب حدوث محاولة الانقلاب في تركيا
ثمة أسباب عديدة وراء محاولة الانقلاب الأخير في تركيا، ويمكن تلخيصها في الآتي:
1- أن الجيش التركي الذي كان يتمتع تاريخياً بمهمة الحفاظ على العلمانية والأسس الجمهورية للدولة التركية، بات يجد نفسه في السنوات الأخيرة غير قادر على تنفيذ هذه المهمة بعد أن أخرجه أردوغان من الحياة العامة، وعدَّل من هيكلة مجلس الأمن القومي الذي كان يتحكم به العسكر وكانت قراراته مُلزمة للحكومة، فيما باتت هذه القرارات في عهد أردوغان غير مُلزمة، ويترأس المجلس رئيس الحكومة بعدما كانت من حصة رئيس الأركان العامة. وبسبب كل ذلك، كانت بعض الأوساط العسكرية تتحين فرصة التحرك ضد أردوغان.
2- الإجراءات الأخيرة التي اتخذها أردوغان بعد اشتداد حدة الحرب مع حزب العمال الكردستاني، ولاسيما إعلان أحكام الطوارئ في معظم مناطق شرق البلاد وجنوبها، وإعطاء صلاحيات مُطلقة لقادة القطاعات العسكرية هناك، ومن ثم إعفاء العناصر العسكرية العاملة في هذه المناطق من المثول أمام المحاكم، كل هذه الإجراءات وغيرها ساهمت بطريقة غير مباشرة في عودة القادة العسكريين إلى ممارسة السلطة واتخاذ القرار من دون العودة إلى الحكومة، وهي معادلة أراد منها أردوغان الحكم العسكري المُطلق للجيش في المناطق الكردية مقابل السلطة السياسية المطلقة له في عموم البلاد، قبل أن يكتشف أن مثل هذا الأمر حرَّك المساعي لدى العسكر لاستعادة قاعدة الحكم التي تقوم على معادلة (حاضر يا أفندم) فيما لو نجح الانقلاب؛ أي قاعدة تبعية السياسي الكاملة للعسكر.
3- لا يُخفى على المتابع للشأن التركي أن الجيش غير راض عن الكثير من السياسات والمواقف الخارجية لأردوغان، إذ أنه في العمق يُحمل أردوغان تورط تركيا في الأزمة السورية وتداعيات هذه الأزمة على الداخل التركي، وكذلك توتر العلاقات مع إسرائيل طوال السنوات الماضية، وأيضاً توتر العلاقة مؤخراً مع روسيا والولايات المتحدة وأوروبا، وإن اختلفت الأسباب. ويبدو أن الذين قاموا بالانقلاب راهنوا على هذه الخلافات في كسب الدعم الخارجي لهم على قاعدة خلافاتهم مع أردوغان، بل ربما وجدوا في حديث بعض الصحف الأمريكية والبريطانية مؤخراً عن إمكانية حصول انقلاب في تركيا، والقول إنه لن يذرف أحداً الدموع على أردوغان إذا حدث الانقلاب، ربما وجدوا في ذلك ضوءاً أخضراً للقيام بانقلابهم.
لماذا فشل الانقلاب؟
في الواقع، إذا كانت ثمة أسباب كثيرة تقف وراء الانقلاب العسكري الأخير، فإن أسباب فشل الانقلاب أكثر، ولعل من أهم هذه الأسباب ما يلي:
1- الانقسام الكبير في صفوف المؤسسة العسكرية التركية، بين من يقف مع الرئيس أردوغان، ومن قام بالانقلاب ضده، وهو ما اتسم به انقلاب فجر يوم السادس عشر من يوليو، فالذين قادوا الانقلاب هم قادة من الدرجة الثانية في صفوف القوات الجوية والبرية، في حين الذين واجهوا الانقلاب كانوا بالدرجة الاولى من القوات التابعة لرئاسة الأركان وقوات الأمن الداخلي والشرطة.  
2– الإصلاحات العسكرية التي قام بها أردوغان خلال السنوات الأخيرة كانت سبباً في إفشال الانقلاب، إذ إن أردوغان، ومن خلال هذه الإصلاحات، نجح في إبعاد الجيش من داخل المدن وتسليم مهمة الأمن فيها إلى قوات الشرطة والأمن بعد أن أتبع قوات الشرطة والأمن إلى وزارة الداخلية خلافاً للمراحل السابقة عندما كانت هذه القوات تابعة لرئاسة الأركان أو وزارة الدفاع.     
3- قادة الانقلاب لم يكن لهم برنامج سياسي محدد وعمق شعبي، وعليه عندما حدث الانقلاب لم نجد قوى سياسية أو أحزاب تنزل إلى الشارع وتعلن تأييدها للانقلاب، بل حتى الانقلابيين أنفسهم لم يفصحوا عن برنامجهم السياسي رغم مُضي ساعات على بدء الانقلاب، خلافاً لأردوغان الذي استغل هذه النقطة في دعوة الجماهير للخروج إلى الشارع باسم الحفاظ على الديمقراطية، وهو ما أظهر الانقلابيين وكأنهم مجموعة من المغامرين دون غطاء سياسي أو شعبي، سرعان ما تمت محاصرتهم كما حدث في جسر البوسفور بإسطنبول.
4- إلى جانب تحرك حكومة حزب العدالة والتنمية ضد الانقلاب، وقفت الأحزاب التركية المعارضة سريعاً ضد هذا الانقلاب وأعلنت رفضها له، وهو ما ساهم في وحدة الموقف الدولي الرافض للانقلاب، لذا وجدنا سريعاً تحول المواقف الروسية والأمريكية والأوروبية المتحفظة إلى رفض مُطلق للانقلاب وتأييداً للحكومة التركية. وقد انطلقت هذه المواقف من الحرص على الحفاظ على الديمقراطية، وعدم انجرار تركيا إلى حالة من الفوضى والانقسام والدم، خاصةً وأن تركيا دولة أطلسية ومهمة لجميع هذه الأطراف.
تحديات ما بعد فشل الانقلاب
يتخوف البعض من مرحلة ما بعد فشل الانقلاب، خاصةً وأن أردوغان تعهد علناً بمحاسبة عسيرة لمن قام به، بل وجدد بقوة دعوته إلى تطهير جماعة الداعية فتح الله غولن من الدولة والمجتمع بعد أن اتهم غولن بالوقوف وراء الانقلاب، مع أنه من الصعوبة الاقتناع بأن الرجل ذو الثمانين عاماً والمريض والذي يعيش منذ نحو عقدين في الولايات المتحدة، يستطيع تدبير مثل هذا الانقلاب، ويحرك الجيوش في منتصف الليل. كما أنه من الصعب التصديق أن واشنطن دعمت غولن في تدبير الانقلاب؛ فالولايات المتحدة لو أرادت دعم هذا الانقلاب لوجدت طرق كثيرة لذلك، وليس عبر غولن، ولربما كان مصير الانقلاب مُختلفاً.
وبالتالي، يمكن فهم توجيه التهمة سريعاً لغولن من زاوية الحرب الإقصائية المستمرة التي أعلنها أردوغان ضد أنصار غولن منذ سنوات، لكن الأخطر من هذا هو أن يقوم أردوغان بما يشبه ما كان يقوم به الجيش عقب الانقلاب العسكرية السابقة من إجراءات إقصائية ضد الحياة السياسية. ولعل ما يدفع المرء على هذا الاعتقاد، هو الدعوات القوية لإعادة العمل بإحكام الإعدام بما يعني التخلص من آلاف العسكريين والأمنيين والمدنيين ولاسيما من أتباع غولن بتهمة الخيانة، وكذلك استغلال الانقلاب لشن أوسع حملات الاعتقال في صفوف العسكريين والمدنيين بتهمة التعاون مع الانقلابيين. كما أن من شأن ما حدث إطلاق يد أردوغان في إعادة هيكلة المؤسسة الأمنية والعسكرية من جديد كي تكون في خدمة تطلعه إلى حكم رئاسي مُطلق الصلاحيات، خاصةً وأن موعد المؤتمر السنوي لمجلس الشورى العسكري هو الشهر المقبل، وعادةً ما يشهد هذا المؤتمر التغيرات الكبرى في قيادات الجيش واتخاذ قرارات جديدة على صعيد المهام والآليات بين المؤسسات الأمنية والعسكرية.  
يبقى القول إن محاولة الانقلاب الأخيرة قد تدفع بالرئيس التركي أردوغان إلى الحد من تدخلاته الخارجية ولاسيما في الأزمة السورية، والانكفاء نحو الداخل من أجل إعادة البيت الداخلي التركي من جديد خاصةً وأن هاجس الانقلاب سيظل يرافقه بعد كل ما حدث

تكوين الاستراتيجيات

. عمار علي حسن
روائي، وباحث في علم الاجتماع السياسي
   
تاريخ: 2016-05-05
تعد الاستراتيجة هي أعلى درجة في التفكير والتدبير ونطاق التأثير والأفق الزمني من "السياسة"، وهي عملية منضبطة ذات مخرجات وغايات ووسائل محددة بوضوح، وهي تخدم الهدف السياسي الوطني، وتخدم السياسة في إطار التقلبات والتعقيدات والهواجس والغموض. ويصبح التفكير الاستراتيجي هو القدرة على تطبيق الاستراتيجية في الواقع، ثم صياغة ما يخدم بنجاح مصالح الدولة، من دون تحمل مخاطر يمكن تفاديها.
ومفهوم الاستراتيجية هو من المفاهيم التي يتم تداولها في مختلف العلوم الاجتماعية بأقلام وألسنة الباحثين والمتخصصين في الشؤون العسكرية والسياسية والاقتصادية، لكن تظل الاستراتيجية عملاً سياسياً محضاً، أو يجب أن تكون كذلك على الأقل، ومثل كل الأعمال يستلزم النجاح ممارسة حُسن تقدير الأمور، وهذا يتطلب من دون شك قدراً لا يُستهان به من الخيال العلمي.
وإذا كان من شروط وضع الاستراتيجية وضوح الأهداف وتكاملها وواقعيتها إلى جانب العقلانية والتخصص والاستمرارية والإلزام والمرونة، فإن أحد أهم هذه الشروط هو الابتكار والاعتماد على الذات، وهنا يكون للخيال دوره. وبذلك تتسم الاستراتيجية بأنها "استباقية توقعية"، إن لم تكن "تنبؤية"، وهذا الاستباق يرمي إلى رعاية المصالح الوطنية وحمايتها مما يخبئه المستقبل، وبالتالي لا يجب أن يقوم على التقديرات الجزافية أو الخيالات الأسطورية، إنما دراسة الاحتمالات والسيناريوهات، ووضع الافتراضات والمنطلقات، والتي تكون بدورها مشروطة بما يجري على الأرض، وبالإمكانات المتاحة.
وفي إطار ندوة "عاصفة الفكر" التي استضفتها العاصمة البحرينية المنامة في نهاية مارس 2016، وشارك فيها مجموعة من المفكرين من عدة دول عربية، تم تخصيص محور بعنوان "عاصفة الحزم وتكوين الاستراتيجية" من منطلق إدارك أهمية أن تكون هناك استراتيجة محددة لهذه العملية التي يختلط فيها العسكري بالسياسي والدبلوماسي والاقتصادي والإعلامي والاجتماعي والثقافي والنفسي، رغم أن الزخم الأكبر مُنصرف إلى العمليات العسكرية الجارية. ويتطلب تكوين مثل هذه الاستراتيجية عشرة محددات أساسية، وهي:
1- وضوح الهدف الأساسيهنا يمكن القول إن مُطلقي عملية "عاصفة الحزم" أعلنوا صراحة منذ اللحظة الأولى أن هدفهم هو منع تمكن إيران من اليمن عبر توظيف القدرات العسكرية والاجتماعية للحوثيين وحليفهم علي عبد الله صالح الذي خلعته الثورة اليمنية من الحكم، ويناور ويرواغ من أجل العودة إليها.
2- تكامل الأهداف الفرعية: حيث توجد أهداف فرعية تتكامل بغية تحقيق هذا الهدف الأعم أو الأشمل، ويمكن أن نستقيها من التصريحات المُعلنة لمسؤولين بالدول المشاركة في "عاصفة الحزم". وتتمثل هذه الأهداف الجزئية في: تمكين الشرعية السياسية والدستورية للرئيس عبد ربه منصور هادي وحكومته، وتقليص إمكانات الحوثيين بما يعيدهم إلى حجمهم الطبيعي في الدولة والمجتمع باليمن، واحتواء القبائل اليمينة وإعادة اصطفافها لتكون قوة رافعة لدولة يمنية عربية في حكمها وتوجهاتها وانحيازاتها وخياراتها، وفي ركاب هذا تشكيل الجيش اليمني على نحو يحقق ذلك أيضاً.
كما تتضمن الأهداف الفرعية محاربة الإرهاب خاصةً في ظل تربص "القاعدة" و"داعش" بالدولة اليمنية، بحيث تتم مكافحة البيئات المنتجة والحاضنة والموظفة للإرهاب، ومنع استفادة الإرهابيين من هشاشة الدولة اليمنية، أو استمالتهم من قِبل الحوثيين وصالح ولو مرحلياً، علاوة على تقليل أخطار الطائفية التي تتعمق لأسباب ودوافع سياسية بحتة باليمن في الوقت الراهن.
3- واقعية الأهداف: تتطلب هذه المسألة عموماً حساب الكُلفة أو الثمن، ومعرفة حجم الجهد المطلوب بذله، وكذلك تفهم طبيعة الأمور إن جاء العائد غير كبير في البداية، وأن الحرب لن تستمر إلى الأبد إنما ستنتهي بالسياسة، كما جرت العادة. وبالتأكيد فإن المشاركين في "عاصفة الحزم" يدركون تماماً أهمية الابتعاد عن التقديرات الجزافية، والخيالات الأسطورية، فلا يتحدثون عن قضاء مبرم على الحوثيين، ولا كسب المعركة في زمن يسير جداً، فهم يعرفون أن الحوثيين جزء من الشعب اليمني، لكن عليهم أن يعملوا مع بقية الأطراف على أرضية وطنية، ولا يكونوا "حصان طروادة" لإيران، فيمكنونها من رقبة اليمن.
كما أن هناك، منذ اللحظة الأولى، تقديراً لصعوبة المعركة خاصةً على الأرض، لكن ثمة ثقة بأن الانتصار آت للشرعية في خاتمة المطاف، وهذه مسألة طبيعية لأي قوة عسكرية دخلت حرباً مهما كانت مستوى التفاوت بين قدراتها وقدرة خصمها.
4- العقلانية: تعني تقدير قوة الخصم، وجمع المعلومات الدقيقة عنه وتحليلها بطريقة علمية، ووضع السيناريوهات التي ستسلكها الحرب (سننتصر سريعاً، سنتعثر بعض الشيء في البداية، سندخل هدنة، سيعاند الخصم طويلاً، سينهار الخصم بعد مدة معينة)، ثم وضع البدائل ليست فقط العسكرية لكن السياسية أيضاً، وتتعلق بالأطراف التي يمكن للدول المشاركة في "عاصفة الحزم" أن تتفاعل أو تتعامل معها مع التغيرات التي تطرأ في اليمن.  
5- التخصص: يرتبط هذا المحدد بمهارة القيادة العسكرية الميدانية، وحنكة الدبلوماسيين وقت التفاوض، ودور الإعلام في التسويق السياسي والدعاية والحرب النفسية وصناعة الصورة، وتوافر مُديري الأزمات، وضرورة الاستعانة بعلماء السياسية والاقتصاد والاجتماع وعلم النفس والتاريخ والفلكلور وخبراء الأمن. فأصحاب مثل هذه التخصصات والخبرات يجب أن يتواجدوا وقت وضع الاستراتيجية، وتُؤخذ آراءهم في الاعتبار.
6- الاستمرارية: هذه ركيزة أساسية من ركائز الاستراتيجية، فـ"المُنْبَتَّ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى". وهنا يجب النظر إلى استمرار الحرب بوسائل أخرى، أي من خلال السياسة، والعمل على تحسين الصورة وكسب الشعب اليمني دوماً، وإعادة إعمار اليمن بعد الحرب، ووضع الخطط التي من شأنها الحفاظ على وحدة التراب الوطني اليمني، والنظر في دمج الحوثيين بعد هزيمتهم مع إعادتهم إلى وزنهم الحقيقي في المجتمع، ثم متابعة أدائهم عن كثب في السنوات المقبلة، والتشبيك أو مد روابط الصلة مع النخبة اليمنية الجديدة لاسيما من الشباب الذي مثَّل القوة الاجتماعية الأساسية في الثورة على نظام علي عبد الله صالح، وأخيراً النظر في علمية كتابة التاريخ، حيث سيعمد الحوثيون ومن معهم على تدوين ما يعزز وجهة نظرهم من مجريات الأمور، وهذا أمر متوقع.
7- المرونة: تفرض إعادة النظر في السياسات التفصيلية إن فشلت، وإعادة بناء الخطط إن توعكت، والقيام بتقييم المشرفين المباشرين على الخطط بشكل مستمر لضمان كفاءتهم، وتجديد المعلومات باستمرار حول وضع قوات الحوثيين وحلفائهم، وموقف القبائل، ووجهة نظر الحراك الجنوبي، وتصورات الأطراف الإقليمية والدولية، ووضع المجتمع اليمني بمختلف أطرافه من القبائل والشباب والأحزاب والإعلام.
8- الإلزام: هنا تصبح الدول المشاركة في "عاصفة الحزم" مُلزمة بالتكاتف حتى تحقيق الهدف الرئيسي والأهداف الفرعية، ومواصلة إعادة بناء ما هدمته الحرب، وتحسين شروط حياة اليمنيين بعد انتهاء العمليات العسكرية بشكل نهائي، ثم العمل على بناء نمط علاقات جيدة متصاعدة مع اليمن.
9- المراجعة: تتمثل في هذا المقام في تحديد مدة زمنية لتقييم وتقويم السياسات والعمليات العسكرية، وتحديد من يُناط بهم القيام بهذه المراجعة ومراقبتهم، بغية ضمان أفضل تطبيق ممكن لبنود الاستراتيجية، في فروعها الصغيرة المتمثلة في "السياسات"، والأكبر منها المتعلقة بـ"الخطط"، ثم الأوسع المرتبطة بالاستراتيجية نفسها.
10- الابتكار: نظراً لأن وضع الاستراتيجيات يتطلب تفكيراً نقدياً وإبداعياً، فإن للخيال دوره المهم في صياغة هذه الاستراتيجيات، من زاوية المساهمة في زيادة الفهم، وتوسيع التفسيرات المنطقية الممكنة، ووضع الخيارات البديلة، وتحديد الفرص المحتملة. وكل ذلك يصب في إطار صياغة الثالوث الاستراتيجي المتمثل في الأهداف والأفكار والموارد، وكل منها يحتاج إلى خيال، ينصرف بالأساس إلى توقع ما يأتي، والاستباق في الرؤية والحركة. وهذه مسألة بالتأكيد ليست بعيدة عن الدول المشاركة في "عاصفة الحزم" من أجل استعادة الشرعية في اليمن